الجمعة، 18 سبتمبر 2009

ان الموضوع الاجدر بالبحث والنقاش الجاد هو كيف ولماذا تفرقت الامة وتشتت وتشظت الى كل هذه الملل والنحل؟لماذا كل هذه المذاهب والطوائف والأحزاب والجماعات...في الوقت الذي كان من المفروض فيه أن تكون هي الأمة الأكثر تماسكا وتوحدا وتضامنا بالنظر الى أهمية كل مقومات الوحدة التي يزخر بها دينها،وخاصة كتابها المقدس القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،والذي تتفق الأمة قاطبة على أنه المصدر الأول والأساسي في العقيدة والتشريع.
كيف تفرقت السبل بهذه الأمة وكتابها المقدس يقول :واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. ويقول : انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. ويقول :وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. ويقول : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. الى آخره من الآيات المباركات التي تحث على الوحدة والاعتصام بحبل الله وعدم التنازع،وعلى أن المؤمنين اخوة...فأين المسلمون من العمل بكل هذه الآيات المحكمات،وأين هي طاعة الله ورسوله في كل هذه الفرقة والنزاعات والتناحر والتكفير،الذي يصل عند البعض الى درجة هدر الدم،لا لشئ سوى لأن المهدور دمه ينتسب الى طائفة أو الى مذهب مخالف!؟
أقول اذا لم يعرف المرض يصعب العلاج. اذا لم تعرف أسباب ودوافع الخلاف والتفرقة قد تستحيل الوحدة،وتبقى مجرد أمنية صعبة المنال.لكن أيضا هل كل المسلمين يمتلكون الشجاعة للخوض في هذه الأسباب التاريخية الكامنة وراء تفرقتهم وتشتتهم؟ هل يمتلكون حقا تلك العقلية النقدية القادرة على الغوص في الماضي والقيام بمراجعة حقيقية لكل هذا التراث وغربلته وتنقيته من كل الألغام التي زرعت على الطريق عبر كل القرون التي مرت من عمر الرسالة المحمدية؟ شخصيا لا أعتقد ذلك...لأن ثقافة الخلاف والفرقة هي المستحكمة بقوة،وفعلت فعلها في كل المذاهب والطوائف،لأن الحيز الزمني الذي اشتغلت فيه هذه الثقافة ليس بالهين،ولأن العوامل الذاتية والموضوعية المساعدة على انتشارها وتكريسها ليست بالهينة أيضا...لقد أصبحت التفرقة هي الأصل والوحدة استثناء ! بل ضرب من الخيال.
لقد تقوقع كل داخل مذهبه أو طائفته أو حزبه أو جماعته...يرى الداخل نورا على نور،ولا يرى خارج الدائرة سوى الظلمة الحالكة...يرى الحق كل الحق في مذهبه،ويرى الباطل كل الباطل في المخالفين.
ان احدى العراقيل الكبرى أمام الحديث عن الوحدة،قبل البدء في صناعتها،هي ذهنية التقديس عند بعض المذاهب،اذا جاز أن نسميها كذلك،تقديس المذهب بدل تقديس الدين الحق،تقديس السلف كل السلف! تقديس أراء وأقوال وأفكار ومواقف الذين سبقوا من علماء وفقهاء ومحدثين ومفسرين...واعتبار كل ذلك بمثابة الوحي المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،أو الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدال في صحتها؛رغم أن كل بشر يؤخذ من كلامه ويرد الا رسول العصمة (ص) والأئمة المعصومون (ع).وقد يقرأ القارئ أن من بين التعاليق حول هذا الموضوع من يستشهد بقول ابن تيمية الحراني ورأيه في الشيعة الذين يسميهم روافض؛ويصفهم بأقبح وأرذل النعوت،بل يكفرهم ويعتبرهم أسوأ من اليهود والنصارى،ولذلك هم أولى بالقتال من هؤلاء وهؤلاء! وأنا أسأل صاحب التعليق ما دليل ابن تيمية على كل تلك الاتهامات التي كالها للشيعة؟ طبعا لا دليل انما هي الأهواء التي تتحدث في أجواء سياسية ومذهبية معروفة...فيبقى اذن كلامه يخصه لوحده،ومن المعيب الى أبعد حد أن يستدل به في الصراعات المذهبية الحالية...لكن ما العمل؟ القوم يعتبرون ابن تيمية وكأنه كان يوحى اليه! فكيف تتوحد الأمة اذن؟!
*كيف تتوحد وفيها من يعتبر أن امام الامة المعصوم علي (ع) بالكاد يأتي في المرتبة الرابعة من حيث الأفضلية؟!!! بل بعضهم يجادل في ذلك ويرى أن المرتبة التي يستحقها هي الخامسة وراء معاوية بن أبي سفيان!!!
* كيف تتوحد وفيها من يعتبر أن العترة الطاهرة أقل شأنا من كثير من الصحابة وخاصة الخلفاء الثلاثة الأوائل؟!!! لقد قرأت تعليقا لأحد النواصب قال فيه كلاما تشيب له الولدان،وقد يهتز له عرش الرحمان. لقد قال ان زغبة واحدة في لحية أبي بكر لهي أفضل من جميع أهل البيت!!! ثم يتابع قائلا انه يتعبد الله بهذا أحب من أحب وكره من كره! فهؤلاء اذن في الشرق والوحدة الاسلامية في الغرب،وهما كالخطين المتوازيين لا يلتقيان!
*كيف تتوحد الأمة وفيها من يعتبر أن ما وقع يوم السقيفة كان عاديا وكان هدفه قطع الطريق على النزاع بين المهاجرين والأنصار حول الخلافة؟؟؟ أما تداعيات الحدث التي تلت كرفض علي (ع) ومجموعة من اقطاب الصحابة المبايعة،ثم الهجوم على بيته (ع) واجبارهم عليها...فهي كذلك أمور عادية!!! اغضاب فاطمة وهضمها حقها أيضا أمر عادي ولا بأس به!!!
*كيف تتوحد الأمة وفيها من يعتبر يزيد بن معاوية"أميرا للمؤمنين" (ههههها)،والرجل كان سكيرا من الطراز الأول،مربيا للقردة،بل ملحدا من الطراز الأول كذلك.ألم يقل :لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل؟؟ بل الأدهى والأمر من كل ذلك يعتبرون الحسين (ع) كان هو المخطئ في خروجه على يزيد وأنه (ع) ألقى بنفسه الى التهلكة،وكان السبب في مقتل كل من قتل في تلك الفاجعة الكبرى،بل هي الفضيحة الكبرى لبني أمية اللقطاء بعد اعتلائهم منبر الرسول وعبثهم برسالته وكل تركته؛ فلعنة الله على ظالمي أهل البيت الى يوم الدين.
*كيف تتوحد الأمة وسلطة بني أمية قلبت ثقافة الأمة رأسا على عقب وبدلت وغيرت وفبركت اسلاما آخر على مقاسها ليخدم مصالحها ويدعم بقاءها في السلطة...وقد امتد حبل ذلك الدين المبتدع الى يوم الناس هذا،فالى اليوم تجد الكثيرين ممن ينافحون عنهم ويتعصبون لهم،ضد مذهب أهل البيت (ع).وحبذا لو يجيبنا هؤلاء الجهال لماذا لا تروي صحاحكم شيئا ذا بال عن أهل البيت عليهم السلام؟؟ الم يضع معا وية ومن خلفه من بعده جدرانا سميكة بين الأمة والعترة الطاهرة حتى لا تعرف دينها الحق،وفي المقابل تتشبع بالدين الأموي الجديد؟؟؟ ألم يتعرض أهل البيت للتهميش والتشريد،بل حيكت ضدهم المؤامرات قصد تشويههم والنيل من سمعتهم ومكانتهم الربانية العالية؟؟بل قتل العديد منهم اما غيلة بالسم واما بسيوف الباطل.
هذه بعض من المحطات المؤلمة والمصيرية في تاريخ الأمة كانت حاسمة في صناعة الفرقة وتشتيت الصف الاسلامي،بل وجهت ضربة قاسمة للاسلام المحمدي الاصيل بعدما انقلبت عليه سلطات بني أمية وسارت على نفس الدرب بنو العباس، يبتغون الرجوع الى أمجاد الجاهلية...
فهل لدى المخالفين الشجاعة والجراة لمناقشة كل هذه المحطات وغيرها،والاعتراف بالحقيقة وبمظلومية أهل البيت (ع)،والاعتراف كذلك بان لولاهم (ع) لضاع الاسلام الحقيقي.فهم من حمى الدين الحق من الضياع،فلولاهم لكانت الأمة اليوم تعبد الها آخر من دون الله سبحانه وتعالى.فمن هنا يجب البدء وهذا مفتاح الوحدة الحقيقي...مراجعة حقيقية من أجل تصحيح أخطاء السابقين وارجاع الأمور الى نصابها،والحقوق لذويها

ليست هناك تعليقات: