الثلاثاء، 31 مارس 2009

تعليق حول مقال بهيسبريس تحت عنوان: اليسار حمار المخزن الذي لا يتعب

المخزن يجيد اللعب على كل الأوتار،وفي كل الاتجاهات،و لا توجد جهة بمنآى عن يده الطويلة،فهو قادر على اختراق وتدجبن الجميع،لأنه يملك كل الامكانيات والوسائل لفعل ذلك،ولأن المسألة مصيرية بالنسبة اليه. المخزن يعتبر نفسه في حلبة صراع على البقاء،فلا بديل له عن الفوز،اما بالضربة القاضية أو على الأقل تسجيل النقط على الخصم وجرجرته في مباراة متعددة الأشواط لكي يربح المزيد من الوقت،يدبر خلاله أزماته،ويرمم حاله المهترئ.هذه هي حال الأنظمة المستبدة عبر التاريخ،وهذا هو سلوك من لا يؤمن بالديمقراطية الحقيقية...يكون همه الوحيد وهاجسه اليومي هو كيف يبقى في السلطة مهيمنا ومسيطرا كاتما لأنفاس الجميع وممسكا بزمام كل شئ!وحين يكثر الضغط (من الخارج في الغالب) يهرع لرفع شعارات براقة يدوخ بها الجميع في عمليات بهلوانية لا تتقنها حتى القردة...فتتم المناداة على الخصم الداخلي أن تعال فأنت اليوم مرغوب فيك،لكن تحت شروط ومواصفات معينة! هنا تلبى الدعوة من طرف بعض المغشوشين في فكرهم ونضالهم وثقافتهم،وتسيل لعابهم لعروض المخزن المغرية،وتتم الصفقة بسلام وبسلاسة،وفورا يتم تناسي كل الماضي الأليم والتضحيات الجسام،وأحلام التغييرالوردية والوعود الناعمة التي وزعت و تم بواسطتها دغدغة عواطف الملايين من الكادحين عبر عقود طويلة...كل هذا يذوب،ويشطب في لحظة ساحرة أمام بريق العرض المخزني!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هناهو ما فائدة الايديولوجيا اليسارية اذا كان مآل معتنقيها هو هكذا؟! الا يمارس اليسار بدوره نفس اللعبة المخزنية...؟ يضحك على الجماهير ويمنيهم الأماني الكبار،ثم عندما تصل النخبة والقيادات الى الكراسي والى تحقيق المصالح،تتنكر وتدير ظهرها لها،بعدما استعملتها كوسيلة لعدة عقود؟؟
فهل حقا الخلل في المخزن وحده،أم أن كلا منهما يكمل الآخر في عملية ضحك على الذقون ومسرحية درامية يكون ضحيتها الشعب المسكين؟
أما السؤال الثاني الذي يتبادر الى الذهن،بعد قراءة السطر الأخير من هذا المقال...هل حقا يشكل التيار الاسلامي البديل الحقيقي لكل هذه النكسات والكبوات في عالم السياسة المغربية؟ الى أي حد يمكن للمغاربة الثقة بالاسلاميين،والاطمئنان الى عدم تكرارهم لنفس الدراما التي حصلت ولا زالت مع قوى اليسار...؟؟خصوصا وأن تجارب جمة لا زالت شاخصة أمام الأعين في العديد من الدول الاسلامية،مع استثناء تركيا...لم تكن ناجحة كما كانت تتصور أو يروج لها أصحابها،وأثمرت عن بؤس واضح في التعاطي مع كل المعضلات المجتمعية،والسياسات الخارجية.هل التيار الاسلامي بمنآى عن يد المخزن وتلاعباته ومغرياته؟ وهل حقا يملك المناعة الكافية لتوقي السقوط في حبال المخزن ودهائه؟ وبماذا يتميز هذا التيار عن اليسار،في برامجه وطروحاته اذا استثنينا الخطاب الديني،وخاصة بعده الاخلاقي؟
نعم للرهان على الدين لتخليق السياسة والحياة العامة...هذه أمنية الجميع،ولكن هل ثمة هامش لذلك في ظل الظروف المحيطة،ان كانت محلية أو دولية،دون أن ننسى المعطى الموضوعي والمتمثل في عدم استعداد كل البيئة السياسية والفكرية المغربية لتقبل الطرح الاسلامي بحذافيره،لأنها لم تنضج بعد لذلك،ولأنها لم تؤطر بعد التأطير اللازم داخل المنظومة الاسلامية بكل أبعادها.هناك فراغ وهشاشة في التاطير الحقيقي مرده بالأساس الى الاطر الفاعلةوالهيئات المحتضنة نفسها...فهذه الاطراف هي نفسها تعاني من اختلالات عدة،أهمها انعدام الرؤيا الواضحة،والتصور الصحيح لكيفية قيادة المجتمع اسلاميا،والعبور به من مرحلة التعثر والهدر بكل انواعه الى مرحلة النهوض والسير السليم نحو المستقبل المأمأمول.
ثمة عامل آخر مؤثر يفعل فعله في تجارب الاسلاميين،ويعيق نجاحهاالا وهو استلهام تجارب الماضي البعيد للاسلام(الاستغراق في الماضوية، كما يتهمهم اليسار!)،فهم لا يرون أنجح ولا أروع من تلك التجارب،بل يرون أنها مثالية ولا يمكن تكرارها،وكل الذي ينبغي الطموح اليه هو محاولة محاكاتها،والاستلهام من ظلالها...ناسين أن مثل هذه الاسقاطات لن تجدي نفعا،وأن الواقع غير الواقع والحال غير الحال والزمن غير الزمن...! وناسين كذلك أن تلك التجارب لها ما لها وعليها ما عليها،وليست هي بتلك الصورة المثالية التي يتوهمونها عنها.

يوم يتحد التيار الاسلامي بكل أطيافه وجماعاته حول برنامج سياسي ودعوي واحد(ليس المقصود الوحدة العضوية)،ويقوم التنسيق على أعلى المستويات،وتزول كل الحزازات والأمراض بما فيها الانانيات الطفولية،ويستقر في أدمغة الجميع وعي حقيقي بالدين والدنيا،وتتبدل الهواجس من الفرد والجماعة لتتجه نحو خدمة المجتمع والامة...ساعتها يمكن الجزم أن الاسلاميين قادمون!من وجهة نظري أن الاشكالية الحقيقية تكمن في العقلية المغربية والعربية عامة،وبنيتها الفكرية والسياسية والثقافية...وقد حلل المفكرون هذه العقلية وفككوا مختلف مكوناتها،ونادوا باعادة تشكيلها،في عملية تنقية من كل الشوائب والترسبات الضارة،حتى تعود قادرة على الانطلاق من واقعهاوالاجتهاد المستمر لتصنع مستقبلها ب"عرق" عقلها لا بتقليد للماضي سواء البعيد أو القريب